حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيهفقال جعفر: أعلم يا أمير المؤمنين أنه كان في مصر سلطان صاحب عدل وإحسان
له وزير عاقل خبير له علم بالأمور والتدبير وكان شيخا كبيرا وله ولدان
كأنهما قمران وكان الكبير شمس الدين وأدهم الصغير نور الدين وكان الصغير
أمير من الكبير في الحسن والجمال وليس في زمانه أحسن منه حتى أنه شاع ذكره
في البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده إلى بلده لأجل رؤية جماله، فأتفق
أن والدهما مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الوالدين وفرح بهما وخلع
عليهما وقال لهما أنا في مرتبة أبيكما ففرحا وقبلا الأرض بين يديه وعملا
العزاء لأبيهما شهرا كاملا ودخلا في الوزارة وكل منهما يتولاها جمعة وإذا
أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما، فاتفق في ليلة من الليالي أن
السلطان كان عازما على السفر في الصباح وكانت النوبة للكبير. فبينما
الأخوان يتحدثان في تلك الليلة: إذ قال الكبير يا أخي قصدي أن أتزوج أنا
وأنت في ليلة واحدة فقال الصغير إفعل يا أخي ما تريد فإني موافقك على ما
تقول واتفقا على ذلك. ثم أن الكبير قال لأخيه إن قدر الله وخطبنا بنتين
ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في يوم واحد وأراد الله وجاءت زوجتك بغلام
وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما لبعضهما لأنهما أولاد عم فقال نور الدين يا أخي
ما تأخذ من ولدي في مهر بنتك قال آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار
وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح. فلما سمع
نور الدين هذا الكلام قال ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا
إخوان ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك
لولدي هدية من غير مهر، فانك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر ويذكر
به وخلاف ابنتك فقال ومالها قال لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت تريد أن
تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن غاليا، وقيل أن
بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه الثمن. فقال له شمس
الدين أراك قد قصرت لأنك تعمل إبنك أفضل من بنتي ولا شك أنك ناقص عقل وليس
لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة
عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معينا ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا
القول والله لا أزوج بنتي لولدك ولو وزنت ثقلها ذهبا، فلما سمع نور الدين
كلام أخيه اغتاظ وقال وأنا لا أزوج إبني إبنتك فقال شمس الدين أنا لا أرضاه
لها بعلا ولو أنني أريد السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر
يعمل الله ما يريد. فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا
وغاب عن الدنيا وكتم ما به وبات كل واحد في ناحية. فلما أصبح الصباح برر
السلطان للسفر وعدي إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين، وأما
أخوه نور الدين فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح
الصباح قام وصلى الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا
وتذكر قول أخيه واحتقاره إياه وافتخاره فأنشد هذه الأبيات:
سافر تجد عوضا عمن تـفـارقـه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
ما في المقام لـذي لـب وذي أدب معزة فاترك الأمطان واغـتـرب
إني رأيت وقوف المـاء يفـسـده فإن جرى طاب أو لم يجر لم يطب
والبدر أفول منـه مـا نـظـرت إليه في كل حين عين مـرتـقـب
والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والتبر كالتراب ملقى في أماكـنـه والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عـز مـطـلـبـه وإن أقام فلا يعلـوا إلـى رتـب
فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة زرزورية غالية سريعة
المشي فشدها ووضع عليها سرجا مذهبا بركابات هندية وعباآت من القطيفة
الأصفهانية فسارت كأنها عروس مجلية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة
وأن يوضع الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد: قصدي أن أتفرج خارج
المدينة وأروح نواحي القلبونية وأبيت ثلاث ليال فلا يتبعني منكم أحد فإن
عندي ضيق صدر. ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه شيئا قليلا من الزاد وخرج من
مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى دخل مدينة فليبس فنزل عن بغلته
واستراح وأراح البغلة وأكل شيئا وأخذ من فليبس ما يحتاج إليه وما يعلق به
على بغلته ثم استقبل البر فما جاء عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة
القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح بغلته وأخرج شيئا أكله ثم وضع الخرج تحت
رأسه وفرش البساط ونام في مكان والغيظ غالب عليه، ثم أنه بات في ذلك
المكان. فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب
فنزل في بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء
ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافرا ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائرا
إلى أن وصل إلى مدينة البصرة ليلا ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل
الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن
يسيرها فأخذها وسيرها فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى
البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك
من الملوك، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه ائتني بهذا البواب.
فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان الوزير شيخا
كبيرا، فقال للبواب من صاحب هذه البغلة وما صفاته، فقال البواب يا سيدي إن
صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار.
فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار إلى الخان، ودخل على
الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادما عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل
الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده، وقال له يا ولدي من
أين أقبلت وماذا تريد. فقال نور الدين يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر،
وكان أبي وزيرا فيها وقد انتقل إلى رحمة الله وأخبره بما جرى من المبتدأ
إلى المنتهى ثم قال وعزمت على نفسي أن لا أعود أبدا حتى أنظر جميع المدن
والبلدان، فلما سمع الوزير كلامه قال له يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في
الهلاك، فإن البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان. ثم إنه أمر بوضع
الخرج عن البغلة والبساط والسجادة، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في
مكان ظريف وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حبا شديدا وقال له يا ولدي أنا بقيت
رجلا كبيرا ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني الله بنتا تقاربك في الحسن ومنعت
عنها خطابا كثيرة وقد وقع حبك في قلبي، فهل لك أن تأخذ إبنتي جارية لخدمتك
وتكون لها بعلا. فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول له أنه ولد
أخي وأوصلك إليه، حتى أجعلك وزيرا مكاني وألزم أنا بيتي فإني صرت رجلا
كبيرا. فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال سمعا وطاعة،
ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاما وأن يزينوا قاعة الجلوس
الكبرة المعدة لحضور أكابر الأمراء، ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار
البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم أنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية
ورزقه الله ولدين وأنا كما تعلمون رزقني الله بنتا، وكان أخي أوصاني أن
أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد
أولاده وهو هذا الشاب الحاضر، فلما جائني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي
ويدخل بها عندي. فقالوا: نعم ما قلت، ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود
وانصرفوا وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به
الحمام وأعماه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر
البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة
تمامه، ثم ركب بغلته ودخل على الوزير فقبل يده، ورحب الوزير وأدرك شهرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح."
الليلة الحادية والعشرون غير متوفرة حالياً"قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قام له ورحب به وقال له: قم
وأدخل هذه الليلة على زوجتك وفي غد أطلع بك إلى السلطان، وأرجوا لك من الله
كل خير فقام نور الدين ودخل على زوجته بنت الوزير هذا ما كان من أمر نور
الدين وأما ما كان من أمر أخيه فإنه غاب مع السلطان مدة في السفر، ثم رجع
فلم يجد أخاه فسأل عنه الخدم، فقالوا له من يوم سافرت مع السلطان ركب بغلته
بعدة الموكب، وقال أنا متوجه إلى جهة القيلوبية فأغيب يوما أو يومين فإن
صدري ضاق ولا يتبعني، منكم أحد. ومن يوم خروجه إلى هذا اليوم لم نسمع له
خبرا فتشوش خاطر شمس الدين على فراق أخيه واغتم غما شديدا لفقده وقال في
نفسه ما سبب ذلك إلا أني أغلظت عليه في الحديث ليلة سفري مع السلطان فلعله
تغير خاطره وخرج مسافرا فلا بد أن أرسل خلفه ثم طلع وأعلم السلطان بذلك
فكتب بطاقات وأرسل بها إلى نوابه في جميع البلاد ونور الدين قطع بلادا
بعيدة في مدة غياب أخيه مع السلطان فذهبت الرسل بالمكاتيب ثم عادوا ولم
يقفوا له على خبر ويئس شمس الدين من أخيه، وقال لقد أغظت بكلامي من جهة
زواج الأولاد فليت ذلك لم يكن وما حصل ذلك إلا من قلة عقلي وعدم تدبيري. ثم
بعد مدة يسيرة خطب بنت رجل من تجار مصر وكتب كتابه عليها ودخل بها وقد
اتفق أن ليلة دخول شمس الدين، على زوجته كانت ليلة دخول نور الدين على
زوجته بنت وزير البصرة وذلك بإرادة الله تعالى حتى ينفذ حكمه في خلقه وكان
الأمر كما قالاه فاتفق أن الزوجتين حملتا منهما وقد وضعت زوجة شمس الدين
وزير مصر بنتا لا يرى في مصر أحسن منها، ووضعت زوجة نور الدين، ولدا ذكرا
لا يرى في زمانه أحسن منه كما قال الشاعر:
ومهفهف يغني النديم بـريقـه عن كأسه الملأى وعن أبريقه فعل المدام ولونها ومذاقـهـا من مقلتيه ووجنتـيه وريقـه
فسموه حسنا وفي سابع ولادته صنعوا الولائم وعملوا أسمطة لا تصلح إلا
لأولاد الملوك ثم أن وزير البصرة أخذ معه نور الدين وطلع به إلى السلطان
فلما صار قدامه قبل الأرض بين يديه وكان نور الدين فصيح اللسان ثابت الجنان
صاحب حسن وإحسان فأنشد قول الشاعر: هذا الذي عم الأنام بعدلـه وسطا فمهد
سائر الآفـاق أشكر صنائعه فلسن صنائعا لكنهن قـلائد الأعـنـاق وأنتم أنامله
فلسن أنـامـلا لكنهن مفـاتـح الأزرق
فألزمها السلطان وشكر نور الدين على ما قال وقال لوزيره من هذا الشاب
فحكى له الوزير قصته من أولها إلى آخرها وقال له هذا ابن أخي فقال وكيف
يكون ابن أخيك ولم نسمع به، فقال يا مولانا السلطان إنه كان لي أخ وزير
بالديار المصرية وقد مات وخلف ولدين، فالكبير جلس في مرتبة والده وزيرا
وهذا الصغير جاء عندي وحلف أني لا أزوج إبنتي إلا له، فلما جاء زوجته بها
وهو شاب وأنا صرت شيخا كبيرا وقل سمعي وعجز تدبيري والقصد من مولانا
السلطان أن يجعله في مرتبتي، فإنه ابن أخي وزوج إبنتي وهو أهل للوزارة لأنه
صاحب رأي وتدبير. فنظر السلطان إليه فأعجبه، واستحسن رأي الوزير بما أشار
عليه من تقديمه في رتبة الوزراء فأنعم عليه بها، وأمر له بخلعة عظيمة، وزاد
له الجوامك والجرايات إلى أن إتسع عليه الحال وسار له مراكب تسافر من تحت
يده بالمتاجر وغيرها وعمر أملاكا كثيرة ودواليب وبساتين إلى أن بلغ عمر
ولده حسن أربع سنين، فتوفي الوزير الكبير والد زوجة نور الدين، فأخرجه خرجة
عظيمة وأوراه في التراب ثم اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر
له فقيها يقرئه في بيته وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فأقرأه وعلمه فوائد في
العلم بعد أن حفظ القرآن في مدة سنوات وما زال حسن يزداد جمالا وحسنا
واعتدالا كما قال الشاعر:
قمر تكامل في المحاسن وانتهى فالشمس تشرق من شقائق خده ملك الجمال بأسره فكـأنـمـا حسن البرية كلها من عـنـده
وقد رباه الفقيه في قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة إلى
أن أخذه والده الوزير نور الدين يوما من الأيام وألبسه بدلة من أفخر ملبوسه
وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به إلى السلطان ودخل به عليه فنظر الملك
حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه، وقال لأبيه يا وزير
لابد أنك تحضره معك في كل يوم فقال سمعا وطاعة ثم عاد الوزير بولده إلى
منزله وما زال يطلع به إلى حضرة السلطان في كل يوم إلى أن بلغ الولد من
العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نور الدين، فاحضره وقال له يا
ولدي أعلم أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم
ما أقول لك وأصغ قلبك إليه وصار يوصيه بحسن عشرة الناس وحسن التدبير. ثم
إن نور الدين تذكر أخاه وأوطانه وبلاده وبكى على فرقة الأحباب، وسجت دموعه
وقال يا ولدي إسمع قولي فإن لي أخا يسمى شمس الدين، وهو عمك ولكنه وزير
بمصر قد فارقته وخرجت على غير رضاه، والقصد أنك تأخذ دوجا من الورق وتكتب
ما أمليه عليك فأحضر قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فأملى عليه جميع
ما جرى له من أوله إلى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير
وتاريخ وصوله إلى البصرة واجتماعه بوزيرها. وكتب وصية موثقة ثم قال لولده:
إحفظ هذه الوصية فإن ورقتها فيها، أصلك وحسبك ونسبك فإن أصابك شئ من الأمور
فاقصد مصر، واستدل على عمك وسلم عليه وأعلمه أني مت غريبا مشتاقا إليه
فأخذ حسن بدر الدين، الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين
البطانة والظهارة وصار يبكي على أبيه من أجل فراقه وهو صغير وما زال نور
الدين يوصي ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فأقام الحزن في بيته وحزن
عليه السلطان وجميع الأمراء ودفنوه ولم يزالوا في حزن مدة شهرين، وولده لم
يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان وأقام مكانه بعض الحجاب، وولى
السلطان وزيرا مكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين وعلى عماراته وعلى
أملاكه. فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا إلى بيت الوزير نور الدين
يختمون عليه ويقبضون على ولده حسن الدين ويطلعون به إلى السلطان ليعمل فيه
ما يقتضي رأيه وكان بين العسكر مملوك من مماليك الوزير نور الدين، المتوفي
فلم يهن عليه ولد سيده فذهب ذلك المملوك إلى حسن بدر الدين فوجده منكس
الرأس حزين القلب على فراق والده فأعلمه بما جرى، فقال له هل في الأمر مهلة
حتى أدخل فآخذ معي شيئا من الدنيا لأستعين به على الغربة فقال له المملوك
أنج بنفسك فلما سمع كلام المملوك غطى رأسه بذيله وخرج ماشيا إلى أن صار
خارج المدينة فسمع الناس يقولون أن السلطان أرسل الوزير الجديد إلى بيت
الوزير المتوفي ليختم على ماله وأماكنه ويقبض على ولده حسن بدر الدين ويطلع
به إليه فيقتله وصارت الناس تتأسف على حسنه وجماله فلما سمع كلام الناس
خرج إلى غير مقصد ولم يعلم أين يذهب. فلم يزل سائرا إلى أن ساقته المقادير
إلى تربة والده فدخل المقبرة ومشى بين القبور إلى أن جلس عند قبر أبيه وأزل
ذيله من فوق رأسه، فبينما هو جالس عند تربة أبيه إذ قدم عليه يهودي من
البصرة وقال يا سيدي مالي أراك متغيرا فقال له إني كنت نائما في هذه
الساعة، فرأيت أبي يعاتبني على عدم زيارتي قبره فقمت وأنا مرعوب وخفت أن
يفوت النهار ولم أزره، فيصعب علي الأمر، فقال له اليهودي يا سيدي إن أباك
كان أرسل مراكب تجارة وقدم منها البعض ومرادي أن أشتري منك وثق كل مركب
قدمت بألف دينار ثم أخرج اليهودي كيسا ممتلئا من الذهب، وعد منه ألف دينار
ودفعه إلى حسن ابن الوزير ثم قال اليهودي إكتب لي ورقة واختمها فأخذ حسن
ابن الوزير ورقة وكتب فيها كاتب هذه الورقة حسن بدر الدين ابن الوزير نور
الدين قد باع اليهودي فلان جميع وثق كل مركب، وردت من مراكب أبيه المسافرين
بألف دينار وقبض الثمن على سبيل التعجيل. فأخذ اليهودي الورقة وصار حسن
يبكي ويتذكر ما كان فيه من العز والإقبال ثم دخل عليه الليل وأدركه النوم
فنام عند قبر أبيه ولم يزل نائما حتى طلع القمر فتدحرجت رأسه عن القبر ونام
على ظهره وصار يلمع وجهه في القمر وكانت المقابر عامرة بالجن المؤمنين،
فخرجت جنية فنظرت وجه حسن وهو نائم فلما رأته تعجبت من حسنه وجماله وقالت
سبحان الله ما هذا الشاب إلا كأنه من الحور العين، ثم طارت إلى الجو تطوف
على عادتها فرأت عفريتا طائرا فسلمت عليه وسلم عليها فقالت له من أين أقبلت
قال: من مصر فقالت له هل لك أن تروح معي، حتى تنظر إلى حسن هذا الشاب
النائم في المقبرة فقال لها نعم فسارا حتى نزلا في المقبرة فقالت له هل
رأيت في عمرك مثل هذا فنظر العفريت إليه وقال سبحان من لا شبيه له ولكن يا
أختي إن أردت حدثتك بما رأيت فقالت له حدثني، فقال لها إني رأيت مثل هذا
الشاب في إقليم مصر وهي بنت الوزير وقد علم بها الملك فخطبها من أبيها شمس
الدين. فقال له يا مولانا السلطان أقبل عذري وارحم عبرتي فإنك تعرف أن أخي
نور الدين خرج من عندنا ولا نعلم أين هو، وكان شريكي في الوزارة وسبب خروجه
أني جلست أتحدث معه في شأن الزواج فغضب مني وخرج مغضبا وحكى للملك جميع ما
جرى بينهما، ثم قال للملك فكان ذلك سببا لغيظه وأنا حالف أن لا أزوج بنتي
إلا لإبن أخي من يوم ولدتها أمها وذلك نحو ثمان عشرة سنة ومن مدة قريبة
سمعت أن أخي تزوج بنت وزير البصرة وجاء منها بولد وأنا لا أزوج بنتي إلا له
كرامة، لأخي ثم إني أرخت وقت زواجي وحمل زوجتي وولدة هذه البنت وهي باسم
ابن عمها والبنات كثير. فلما سمع السلطان كلام الوزير غضب غضبا شديدا، وقال
له كيف يخطب مثلي من مثلك بنتا فتمنعها منه وتحتج بحجة باردة وحياة رأسي
لا أزوجها إلا لأقل مني برغم أنفك وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام
المباح.