[size=32]سرد - قصص و روايات[/size]
1 الاعتقال
الأشجار الخضر في الشارع كفت عن الغناء لحظة تحلق عدد من رجال الشرطة متجهمي الوجوه حول رجل يمشي على الرصيف سيفًا هرمًا، رمحًا متعبًا، آن له أن يخلد إلى الراحة بعد انتصاره في آلاف المعارك. وابتدره واحد منهم قائلاً له بلهجة فظة: أعطنا هويتك.
فتقبّل الرجل لهجة الشرطي باستنكار، وأوشك أن يستسلم لحنق عارم، لكنه اكتفى بالابتسام باستعلاء. ومدّ يده إلى جيبه، وأخرج هويته، وقدمها للشرطي الذي ألقى عليها نظرة سريعة ثم قال متسائلاً: أنت إذن طارق بن زياد?.
فأجاب الرجل باعتزاز: نعم أنا طارق بن زياد.
عندئذ قال الشرطي ساخرًا: هلا تفضلت بمرافقتنا?.
- إلى أين?.
- إلى المخفر.
- المخفر! ولماذا.
- مطلوب للتحقيق.
- أنا أنا طارق بن زياد!.
- لا يهمّنا من تكون. أنت الآن شخص تقضي الأوامر باعتقالك حيا أو ميتا.
فقطّب طارق بن زياد جبينه بينما كان الدم المتدفق في شرايينه رعدًا شرسًا، غير أنه لم يكد يهمّ باستئناف سيره حتى طوّقه رجال الشرطة وأمسكوا به. فحاول الإفلات من أيديهم، فبادروا يضربونه بقسوة وتشفٍّ، حتى أرغموه على الكف عن المقاومة، وتهاوى أرضًا يغمره الخجل والدم.
2 الاستجواب
في اليوم الأول خلق الجوع، في اليوم الثاني خلقت الموسيقى، في اليوم الثالث خلقت الكتب والقطط، في اليوم الرابع خلقت السجائر، في اليوم الخامس خلقت المقاهي، في اليوم السادس خلق الغضب، في اليوم السابع خلقت العصافير وأعشاشها المخبأة في الأشجار.
وفي اليوم الثامن خلق المحققون، فانحدروا توّا إلى المدن، وبرفقتهم رجال الشرطة والسجون والقيود الحديدية.
ـ طارق بن زياد.. أنت متهم بتبديد أموال الدولة.
- مخطئون. أنا لم أبدد أي أموال.
ـ ألست أنت الذي أحرق السفن.
- حرق السفن كان لا بد منه لكسب النصر.
ـ لا نريد سماع أعذار. أجب عن سؤالنا فقط . هل أحرقت السفن أم لم تحرقها.
- أنا أحرقت السفن...
ـ وأحرقتها دونما إذن! لماذا لا تجيب هل حصلت على إذن من رؤسائك بحرق السفن.
- إذن?! الحرب تختلف عن الكلام في المقاهي والشوارع.
وتأمّل طارق بن زياد بعينين مفعمتين بالازدراء والنقمة وجوه المحققين المحيطين به، ثم سألهم بهدوء: أين كنتم وقت الحرب.
ـ كنا نؤدي واجبنا.
ـ نحن أيضًا حملنا السلاح.
فصاح طارق بن زياد بصوت نزق: حملتم السلاح وجلستم وراء المكاتب تحتسون الشاي والقهوة وتتحدثون عن الوطن والنساء!.
فضحك المحققون، ثم تعالت أصواتهم جوفاء صارمة باردة:
ـ أنت خائن.
ـ حرق السفن كان ضربة لقوة الوطن.
ـ من الذي استفاد من حرق السفن لا أحد سوى العدو.
ـ تكلم. السكوت لن ينفعك.
ـ لدينا الوثائق التي تثبت خيانتك وتعاونك مع العدو.
ـ الشعب يعرف كيف يعاقب الخونة.
وهجم البحر والأعداء، وامتزجا بصرخة رجل: البحر من ورائكم والعدو أمامكم.
فصاح طارق بن زياد بصوت متهدج: ولكني أنا الذي هزم الأعداء.
فقيل له إن ما يقوله لا علاقة له بالتهمة الموجهة إليه.
3 الإعدام
هربت النجوم، فها هم أولاء قد أتوا، وفتحوا باب الزنزانة، ودلفوا إلى داخلها جرادًا جائعًا، ولم يدهشوا عندما ألفوا طارق بن زياد جثة هامدة، إنما سارعوا ينقلونه إلى ساحة المدينة، وهناك تلوا الحكم بإعدامه شنقًا، ثم سألوه عن رغباته الأخيرة، فلم يفه بكلمة، فعَدُّوا صمته دليلاً على عدم وجود ما يرغب فيه، وبعدئذ تدلى مشنوقًا.
من مواطن مثالي إلى السيد مدير الشرطة: خضوعًا لأوامركم، أرجو السماح لي بأن أموت .
نسخة من الدرس من موقع سرد - قصص و روايات
عنوان الدرس: الذي أحرق السفن . اضيف بواسطة : زكريا تامر . بتاريخ: 2005-04-10.
1 الاعتقال
الأشجار الخضر في الشارع كفت عن الغناء لحظة تحلق عدد من رجال الشرطة متجهمي الوجوه حول رجل يمشي على الرصيف سيفًا هرمًا، رمحًا متعبًا، آن له أن يخلد إلى الراحة بعد انتصاره في آلاف المعارك. وابتدره واحد منهم قائلاً له بلهجة فظة: أعطنا هويتك.
فتقبّل الرجل لهجة الشرطي باستنكار، وأوشك أن يستسلم لحنق عارم، لكنه اكتفى بالابتسام باستعلاء. ومدّ يده إلى جيبه، وأخرج هويته، وقدمها للشرطي الذي ألقى عليها نظرة سريعة ثم قال متسائلاً: أنت إذن طارق بن زياد?.
فأجاب الرجل باعتزاز: نعم أنا طارق بن زياد.
عندئذ قال الشرطي ساخرًا: هلا تفضلت بمرافقتنا?.
- إلى أين?.
- إلى المخفر.
- المخفر! ولماذا.
- مطلوب للتحقيق.
- أنا أنا طارق بن زياد!.
- لا يهمّنا من تكون. أنت الآن شخص تقضي الأوامر باعتقالك حيا أو ميتا.
فقطّب طارق بن زياد جبينه بينما كان الدم المتدفق في شرايينه رعدًا شرسًا، غير أنه لم يكد يهمّ باستئناف سيره حتى طوّقه رجال الشرطة وأمسكوا به. فحاول الإفلات من أيديهم، فبادروا يضربونه بقسوة وتشفٍّ، حتى أرغموه على الكف عن المقاومة، وتهاوى أرضًا يغمره الخجل والدم.
2 الاستجواب
في اليوم الأول خلق الجوع، في اليوم الثاني خلقت الموسيقى، في اليوم الثالث خلقت الكتب والقطط، في اليوم الرابع خلقت السجائر، في اليوم الخامس خلقت المقاهي، في اليوم السادس خلق الغضب، في اليوم السابع خلقت العصافير وأعشاشها المخبأة في الأشجار.
وفي اليوم الثامن خلق المحققون، فانحدروا توّا إلى المدن، وبرفقتهم رجال الشرطة والسجون والقيود الحديدية.
ـ طارق بن زياد.. أنت متهم بتبديد أموال الدولة.
- مخطئون. أنا لم أبدد أي أموال.
ـ ألست أنت الذي أحرق السفن.
- حرق السفن كان لا بد منه لكسب النصر.
ـ لا نريد سماع أعذار. أجب عن سؤالنا فقط . هل أحرقت السفن أم لم تحرقها.
- أنا أحرقت السفن...
ـ وأحرقتها دونما إذن! لماذا لا تجيب هل حصلت على إذن من رؤسائك بحرق السفن.
- إذن?! الحرب تختلف عن الكلام في المقاهي والشوارع.
وتأمّل طارق بن زياد بعينين مفعمتين بالازدراء والنقمة وجوه المحققين المحيطين به، ثم سألهم بهدوء: أين كنتم وقت الحرب.
ـ كنا نؤدي واجبنا.
ـ نحن أيضًا حملنا السلاح.
فصاح طارق بن زياد بصوت نزق: حملتم السلاح وجلستم وراء المكاتب تحتسون الشاي والقهوة وتتحدثون عن الوطن والنساء!.
فضحك المحققون، ثم تعالت أصواتهم جوفاء صارمة باردة:
ـ أنت خائن.
ـ حرق السفن كان ضربة لقوة الوطن.
ـ من الذي استفاد من حرق السفن لا أحد سوى العدو.
ـ تكلم. السكوت لن ينفعك.
ـ لدينا الوثائق التي تثبت خيانتك وتعاونك مع العدو.
ـ الشعب يعرف كيف يعاقب الخونة.
وهجم البحر والأعداء، وامتزجا بصرخة رجل: البحر من ورائكم والعدو أمامكم.
فصاح طارق بن زياد بصوت متهدج: ولكني أنا الذي هزم الأعداء.
فقيل له إن ما يقوله لا علاقة له بالتهمة الموجهة إليه.
3 الإعدام
هربت النجوم، فها هم أولاء قد أتوا، وفتحوا باب الزنزانة، ودلفوا إلى داخلها جرادًا جائعًا، ولم يدهشوا عندما ألفوا طارق بن زياد جثة هامدة، إنما سارعوا ينقلونه إلى ساحة المدينة، وهناك تلوا الحكم بإعدامه شنقًا، ثم سألوه عن رغباته الأخيرة، فلم يفه بكلمة، فعَدُّوا صمته دليلاً على عدم وجود ما يرغب فيه، وبعدئذ تدلى مشنوقًا.
من مواطن مثالي إلى السيد مدير الشرطة: خضوعًا لأوامركم، أرجو السماح لي بأن أموت .
[ltr]POWERED BY: SaphpLesson3.0[/ltr]